مار ايشوعياب الثالث (647 – 658 م)

 

 

ان اشهر الاشخاص الذين جلسوا على العرش البطريركي لكنيسة المشرق في القرن السابع الميلادي هو مار ايشوعياب الحديابي، وهو الثالث الذي يحمل هذا الاسم على الكرسي البطريركي.

يذكر مار توما، اسقف المرج، ان المبارك مار ايشو عياب كان "ابن النبيل بستوماغ من الاشراف وحسن السمعة، من بلدة كوفلانا، مدينة حدياب."(1) ولد حوالي 580 م. وتلقى تعليمه في نصيبين. كان راهبا في دير آبا الشهير قبل ان يصبح اسقفا على الموصل (نينوى) في 628 م. ليصبح بعد ذلك مطرانا على اربيل والموصل.

في عام 647 م. تم انتخابه بطريركا. عن كفاءته الادارية، يذكر اسقف المرج انه "اظهر اهتماما وحماسا بينا تجاه كل المؤمنين الذين كانوا مهملين فقربهم". لكونه من خريجي دير آبا، فقد قام ببناء كنيسة جميلة في الدير. وقرر بناء مدرسة ايضا وعمل كل الترتيبات المهمة لذلك. 

كانت خيبة امله كبيرة، عندما عارضه الراهب قاميشو، رئيس الدير. اجتمع كل الرهبان في حضرة البطريرك طالبين منه بناء المدرسة في مكان آخر وليترك الرهبان يعيشون بسلام. لم يذعن البطريرك لمطلبهم، لايمانه بان المدرسة ستكون اضافة الى حسن سمعة الدير. لكن عندما غادر كل الرهبان الدير ليلا، ظهرت له الارادة الالهية واضحة في رؤيا، غير البطريرك القديس رأيه وقرر بناء الكنيسة في قريته المسماة كوفلانا. بناءا على طلبه، عاد جميع الرهبان الى صومعاتهم بصفاء وسلام.

يُذكر اسم ايشو عياب الثالث مرتبطا بحادثتين مهمتين في تاريخ كنيسة المشرق. الاولى هي طرد سهدونا. ارسل ملك فارس وفدا كنسيا مكونا من اساقفة ولاهوتيين من كنيسة المشرق الى الامبراطور هرقل. في هذا الوقت زار ايشو عياب ورفاقه آفاميا في آسيا الصغرى، هناك دعوهم لحوار مع رجل كبير السن، يطلق عليه اسقف المرج اسم "سوركرر".  عندما رفض الاسقف الحوار مع الرجل العجوز، سهدونا، الذي كان ضمن الوفد قام وربما بحسن نية بالدفاع عن سوركرر في المناقشة. لسوء الحظ اصبح سهدونا هرطوقيا وبدأ يكتب ضد نسطورس وتعاليمه. فلما اصبح ايشو عياب بطريركا قام بطرد سهدونا، الذي اعتبره قد وقع في حبائل "هرطقة اليونان"

الحادثة الثانية في عهده البطريركي جعلت اسمه مألوفا لكل طلاب تاريخ المسيحية في الهند. خلافه المشؤوم مع مار شمعون، مطران رواردشير، يعتبر دليل ايجابي لصالح العلاقة بين الكنيسة الاشورية في الهند مع كنيسة المشرق ومركز ادارتها في ساليق قطيسفون. كان هناك خلاف حول تعيين اساقفة للهند، حيث كان مطران رواردشير قائما بالمهمة. الرسائل التي كتبها البطريرك للمطران واساقفة فارس وللرهبان وللكنيسة في ماتار قرب ايبرم وصلت الينا كمصدر تاريخي جيد.

 ان خير ما يذكر به مار ايشو عياب الثالث في كنيسة المشرق هو تجميعه كتاب الصلوات "خودرا". وكتب ايضا طقوس العماد والاعفاء والرسامة. كتب مار ايشو عياب الثالث "العديد من التراتيل و قصائد الملاحم و الرسائل الانجيلية و الترانيم الدينية والتعازي، في اجمل اشكالها، ورسائل في مواضيع الخلاف مع اشخاص معينين".

 نستنتج مما سبق بان مار ايشوعياب رعى كنيسة المشرق في مرحلة من اصعب المراحل التي مرت بها في التاريخ. كان عليه ان يواجه اصرار الكنائس اليونانية والغربية على ان تفرض علينا قبول مجامع افسس في عام 431 م. وخلقدونية عام 451 م.  كما بدأ اليعاقبة ينافسون الكنيسة في مناطق انتشارهم من سوريا الى فارس. كما ان نمو سلطة الاسلام كان تهديدا آخر. الخلاف مع مطران رواردشير، الخلاف مع رهبان دير عابي، الخ. سببا له قلقا دائما.

بالرغم من  ذلك، استطاع ان يحل المشاكل التي واجهته وان يقدم مساهمة ثقافية كبيرة بتجميعه كتاب الصلوات "خودرا"، وغيره من الكتب. يعزى نجاحه الى سبب واحد هو تحسينه لطرق ادائه. عندموا ابلغوه ان بناء المدرسة سيسبب ازعاجا للرهبان، ترك الامر لمشيئة الرب لتكون على الارض كما في السموات وليس لمشيئته الشخصية. بالرغم من العوائق. فقد اعتمده الرب ليكون النجم المشرق دائما في تاريخ البطاركة القديسين لكنيسة المشرق.

وصلتنا 105 من رسائل مار ايشو عياب. تعود 52 منها الى الفترة التي قضاها اسقفا على نينوى. و32 رسالة تعود الى الفترة التي كان فيها مطرانا على اربيل. كما وصلتنا رسالتان تعودان الى الفترة التي قضاها بطريركا على كنيسة المشرق. عندما نتفحص هذه الرسائل حسب التقويم، نكتشف كنزا  كبير للمعلومات التاريخية والايمان والانضباط . . الخ، في الكنيسة لربع قرن من الزمن (القرن السابع). هناك عدد من الرسائل يصعب فهم معانيها التاريخية بسبب اسلوبه في الكتابة. بالنسبة لرسالته المرقمة 8،  يذكر الاسقف وليم يونك ان ايشو عياب "استخدم الاسلوب البلاغي المنمق، كثير التشبيه والاستعارة، من الصعب التوصل الى اية حقائق من اسلوب سرد هذه الرسالة."(2) بالنسبة للرسالة رقم 15 فهي تشرح سبب هروبه من ابرشيته اثناء الغزو البيزنطي.  سكوت-مونكريف يذكر:

قصد مار ايشو عياب من هذه الرسالة هو الاعتذار من البطريرك لهروبه من ابرشيته اثناء الحرب الشرسة بين اليونان والفرس. تحمل الرسالة مبررات مبهمة وواهية، لذلك فشلت في اقناع القارئ بأي شئ باستثناء انه هرب في الوقت الذي كانت ابرشيته في امس الحاجة اليه.(3)

يعتقد الاسقف وليم يونك ان سبب فرار ايشو عياب يعود الى كونه من ملاكي الاراضي الكبار، وان فديته ستكون كبيرة في حال القاء القبض عليه من قبل طلائع الجيش البيزنطي، من اجل تفادي ذلك لجأ الى املاكه في الجبال المحيطة.

عندما كان اسقفا على نينوى، صحب البطريرك وعددا من الاساقفة في وفد كنسي الى القسطنطينية. في طريق عودتهم توقفوا للراحة في كنيسة انطيوخ في زمن المجاعة.

وعندما كان مطرانا على اربيل في الفترة 637 - 650 م. طرد سدونا اسقف يرفان المقيم في بيث جرماي. بسبب ميل سدونا الى التعاليم اليعقوبية.

حاول ايشو عياب ان يكتم خلافه مع سدونا، لكن عندما رأى ان الاسقف يحاول الحصول على دعم المسئولين الحكوميين. طرده ايشو عياب من كنيسة المشرق.

يلاحظ الاسقف وليم يونك ان رسالة ايشو عياب الى اهالي اريوان يسألهم طرد اسقفهم تعتبر نموذجا على اسلوب ايشو عياب:

 يبدأ بالاعتذار لغفلته في عدم استنتاجه في وقت مبكر بان سدونا سوف لن يتخلى عن التعاليم اليعقوبية، وفي محاولته التعامل معه بشكل هادئ وعلى مستوى شخصي، في الوقت الذي كان يجب عليه ان ينذر الاخرين من هرطقته. فهو يشير الى حالة العالم، مبينا انه كالشيخ العجوز يبحث عن ايام شبابه:

كنت افكر، اخوتي الاحباء بانه قد تهرأ وشاخ، وذبل فعلا، وحيث ان الفهم البشري قد وهن ايضا فليس باستطاعته اكتشاف الشر.(4)

الرسالة التي كتبها ايشو عياب الى صديقه اسحق النصيبيني تخبرنا بانتخابه بطريركا على كنيسة المشرق. ايشو عياب كان مفتونا بالاضرحة المقدسة ذات النعوش الرخامية. صلى للرب ان يحميه اذا هو سرق ذلك النعش. توما المرجي يروي هذه الحادثة:

الان وحين مرور هؤلاء الرجال القديسين في مدينة انطيوخ، وعندما كانوا يرتاحون في احدى كنائس المدينة حيث بقوا عدة ايام، (ص71). رأى مار ايشو -عياب من بيث عابي تابوت من المرمر الابيض وعليه علامة الصليب الرائعة على مركبة بعجلات مع صورتين للملائكة. ورأى العمل الزخرفي الجميل المنقوش. وفهم ان فيها بقايا من رفات (عضام) التلاميذ (تلاميذ يسوع المسيح) المباركين، وحيث هو في رغبة كبيرة لامتلاك هذا النعش الذي ترقد فيه. قام بالصلاة للرب، رب الكل، وكرر الاستعطاف، بان يستطيع لوحده ان ياخذها الى هذا البلد. حاول كل الاساليب والحيل والخدع، وهولا يعلم ماذا يفعل بعد ذلك، ترك الامر لله، بعد ان قام (اي مار ايشو عياب) بكل الجهود البشرية، بان يحميه المسيح ويرعاه بالوسائل الالهية. وهذا ما حدث فعلا، فقد سرقه وجلبه الى هنا بكل اجلال لما يحوي من جواهر (رفات التلاميذ) في داخله.(5) 

في الرسالة رقم 47 نقرأ عن شعور ايشو عياب بالمعاناة الانسانية، حيث يرسل كميات من الشعير الى نصيبين لاطعام الناس هناك.

بالرغم مما حدث، فان رجاء المؤمنين ضعيف في شخص لا حول له مثلي، ان روحي حزينة لقلة رجاء المؤمنين بي وللتغيير الذي حدث في موقفهم، اني اقر بان في ذاكرتي امورا صغيرة عن النعمة الالهية التي تنقض كل ذلك… صلوا من اجل ان اقضي بقية عمري فيما يسر الرب.(6)

 علاقة ايشو عياب كبطريرك مع الحكام المسلمين كانت حميمة كما نرى كتاب التاريخ السعردي:

حسب القانون، رسم مار ايشو عياب الاهوازي بطريركا على المدن الملكية. "كان رجلا بارزا الى حد كبير، وكان مرجعا لحكام الاقليم، وقد منحه بعضهم وثيقة تنذر كل من يتعرض لاديرته، وابرشيته، ومصدر دخله، وسلامة اهله، كل ذلك مقابل اجر بسيط يدفعه. كانوا يسالونه كل اسبوع عما يحتاجه ليقدم خدماته للمسيحيين.(7)    

 

(1) توما المرجي، كتاب الرؤساء، ص 124

(2) وليم يونك، البطريرك، الملك والخليفة، ص 86

(3) كوت-مونريف مقتبسة من وليم يونك ص87

(4) نفس المصدر 89

(5) توما المرجي، كتاب الرؤساء، ص 121-128

6)  نفس المصدر ص89، 90

(7) التاريخ السعردي، ماري ص 55 مقتبس من وليم يونك ص 90